بينما كنت ابحث في قصاصات تحتوي بعض المقالات التي اعجبتني واحتفظت بها ، وجدت قصاصة تحتوي على مقال للدكتور عبد الواحد الحميد نشرته جريدة الرياض بتاريخ 2 جمادى الآخرة عام 1419 الموافق 22 سبتمبر 1998 ، أي قبل اكثر من عشرين سنه بعنوان ( تخسر ) وقد بدأ الكاتب المقال بصورة ساخرة حيث قال : بكل البهجة والفرح أعلنت إحدى الشركات السعودية المساهمة خلال هذا الصيف ان خسارتها خلال الستة اشهر الأولى من هذا العام هي فقط ستة ملايين وخمسمائة الف ريال واضاف قائلا : نتيجة تستحق الاعجاب .. على الاقل من وجهة نظر المسئولين في تلك الشركة .. صحيح انهم يتسلمون رواتبهم بانتظام ، لكن قلوبهم مع المساهمين . والمساهمون هم اناس غلابا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى لانهم لم يذوقوا طعم الأرباح منذ انشاء الشركة قبل اكثر من عشر اعوام . ولا مرة واحدة ابدا قدر لهذه الشركة ان توزع ارباحا على المساهمين ، فالحظ جلس لها ولهم بالمرصاد على الرغم من ان هذه الشركة تتلقى معونات من الدولة وانها ليست مثل شركات الكهرباء المقيدة والمغلوبة على امرها لكن المستهلكين يفرون منها فرارهم من الاسد . واستمر الكاتب في سخريته حيث قال : هذه الشركة اعتبرت ان خسارة ستة ملايين وخمسمائة الف ريال فقط هو مكسب كبير لأنها خسرت في نفس الفترة من العام الماضي ستة ملايين وتسعمائة الف ريال .. وليس خسارة 5 , 6 مليون مثل خسارة 9 ,6 مليون لكل من يعرف اصول علم الحساب ! مصيبة اهون من مصيبة .. والصبر مفتاح الفرج .
هذا ما كتبه الدكتور عبد الواحد الحميد عن شركة لم يذكر اسمها ، وربما تكون ما زالت تعاني الخسائر وتتلافى الافلاس بزيادة رأس مالها مرة ، وتخفيضه مرة اخرى ، وربما بقي المسئولون عنها هم انفسهم يتسلمون رواتبهم ومخصصاتهم ومكافآتهم ، وربما مازال المساهمون ينتظرون الارباح التي وعدوا بها عندما اكتتبوا في اسهم تلك الشركة العتيقة ، وربما يكونوا اشتروا اسهمها من السوق بأثمان غالية على امل ان يحصلوا على الارباح التي لم تأتي وربما لن تأتي ، مادام ان المسئولين عن هذه الشركة ، وغيرها من الشركات المماثلة يتقاضون رواتبهم ومكافآتهم ، ولم يجدوا من يحاسبهم او يحقق معهم ، واذا لم يجدوا من ضمائرهم أي رادع أو محاسب .
لقد طرحت بعض الشركات وخصوصا العائلية للاكتتاب العام بعلاوة اصدار مبالغ فيها بعد ان قدمت بيانات تشير الى انجازات ونجاحات حققتها الشركة ، واقبل الجمهور على الاكتتاب فيها بكثافة وحماس ورغبة في الحصول على نصيب في الارباح التي كانت تحققها الشركة قبل الطرح والتي بناء عليها تم تحديد علاوة الاصدار ، ثم لم يمض وقت طويل حتى تراجعت اسعار اسهمها واصبحت تباع باقل من سعر الطرح ، مما يعني ان البيانات التي قدمت لم تكن صحيحة ، وان الانجازات التي ادعاها مالكو تلك الشركات عندما قرروا طرحها كانت مضللة وغير صحيحة ، وان الجهات التي حددت اسعارها ومقدار علاوة الاصدار لم تكن دقيقه ولا نزيهة ، وإلا كيف لا يمر وقت طويل بعد طرحها حتى يهبط السهم الى مستوى دون سعر الطرح ، والبعض منها بلغت خسائرها ما يقارب نصف رأس مالها ، وأصبحت مهددة بالإيقاف من التداول ، ليس هذا وحسب ، بل ان بعض الشركات العائلية التي باع ملاكها نسبة من اسهمها بعلاوة اصدار عالية ، وابقوا سيطرتهم عليها ، والتحكم في اختيار اعضاء مجالس الادارة ، والادارة التنفيذية ، واحتكروا اعمال الشركات التي باعوا اجزاء منها للجمهور ، واصبحوا يوقعون العقود مع الشركة بأسماء شركات ومؤسسات يملكونها غير تلك التي طرحوها للاكتتاب ، او بأسماء بعض اعضاء مجالس الادارة في مخالفة واضحة لنظام حوكمة الشركات ، ويتحججون بان نظام الحوكمة يجيز توقيع مثل هذه العقود اذا وافقت عليها الجمعية العمومية ، وما الجمعية العمومية إلا هم انفسهم ، هم من باعوا جزءا لا يتعدى الثلث واحتفظوا بالباقي والذي يمثل الثلثين ، وبالتالي فكيف يقال انه يمكن مخالفة نظام حوكمة الشركات اذا وافقت الجمعية العمومية ، وكأنك تطالب من يخالف النظام ان يشرع لنفسه الكيفية التي تسمح له بمخالفة النظام دون ان يكون مسئولا عن تلك المخالفة .