احتفل الباكستانيون مؤخرا بيوم استقلال بلدهم في داخل باكستان وخارجها ، وقد اقيمت الحفلات وعقدت الندوات وتحدث المتحدثون وانشد المنشدون ، ونظم الشعراء القصائد التي تشيد بهذا اليوم الذي تم فيه اعلان استقلال باكستان بعد نضال مرير وتضحيات جسيمة بذلها مسلمو شبه القارة الهندية للحصول على وطن خاص بهم بعد ان تأكدوا ان الوحدة بين المسلمين والهندوس غير ممكنة ، وان النضال الذي كان الجميع يخوضه ضد الحكم البريطاني لن تكون نتائجه لصالح المسلمين فيما لو لم يحصل المسلمون على حقوق متساوية مع الهندوس ، وبالتالي فلا فائدة بالنسبة للمسلمين من استبدال حكم البريطانيين بحكم الهندوس ، ولهذا كان نضال المسلمين ضد حكم البريطانيين مصحوبا بالمطالبة بتقسيم شبه القارة حسب نظرية الشعبين ، وفي عام 1947 تحقق الحلم الذي كان المسلمون يناضلون من اجله وجاءت باكستان الى الوجود .
في جدة دعيت كضيف شرف الى ثلاثة احتفالات اقامتها الجالية الباكستانية ممثلة في الجمعيات التي تجمعهم ، حيث اقام الحفل الاول منتدى الصحفيين الباكستانيين ( P J F ) ، اما الاحتفال الثاني فقد اقامه المجلس الباكستاني للمنقطعين ( P R C ) ، والاحتفال الثالث اقامه المهندس خالد جاويد في منزله ، وحيث ان الاحتفالات الثلاثة كانت لمناسبة واحدة وهي يوم استقلال باكستان ، فقد كانت الكلمات التي القيتها في الاحتفالات الثلاثة متشابهة ، حيث تحدثت بصورة موجزة عن النضال الذي قام به المسلمون والهندوس ضد الحكم البريطاني للهند والمطالبة بالاستقلال منذ البداية عندما استبدل البريطانيون حكم الشركة الشرقية بحكم الحكومة البريطانية المباشر ، ومحاولات الثورة ضد ذلك الحكم ، واهم تلك المحاولات ما عرف بتمرد 1857 الذي قام به المسلمون والهندوس والذي قضت عليه الحكومة البريطانية بدون رحمة وحملت المسلمين الجزء الاكبر من مسئولية القيام به ، وبالتالي كان عليهم ان يدفعوا الثمن غاليا ، وقد استخدم البريطانيون سياسة ( فرق تسد) فقربوا الهندوس وابعدوا المسلمين ، مما ايقظ الشعور لدى المسلمين بالحاجة للاستقلال بوطن خاص بهم ، وبهذا كانت بداية المطالبة بباكستان ، فكان تأسيس حزب رابطة مسلمي عموم الهند في 1905 والذي كان المنبر الرئيسي للمسلمين .
بدأ المحامي الفذ محمد علي جناح نشاطه السياسي في حزب المؤتمر الهندي ، وكان من المطالبين بالوحدة بين المسلمين والهندوس ، ولكن مع مرور الوقت توصل الى الاستنتاج بان المسلمين لن يستطيعوا الحصول على كامل حقوقهم تحت حكم الهندوس ، فقام بترك حزب المؤتمر وانضم الى حزب رابطة مسلمي عموم الهند وتولى زعامة المسلمين ، ولم يستجب لكل المحاولات التي قام بها زعماء حزب المؤتمر وعلى رأسهم المهاتما غاندي للتخلي عن فكرة الوطن الخاص بالمسلمين ، وقال ان المسلمين امة مختلفة عن الامة الهندوسية في كل شيء ولابد ان يكون لها وطنها الخاص بها ، وقد تأكد ذلك في الاجتماع الذي عقده زعماء المسلمين من جميع انحاء الهند في لاهور في عام 1940 ، وصوتوا بالإجماع على القرار الذي تقدم به الزعيم البنغالي فضل الحق والذي ينص على عدم قبول أي حل لا يؤدي الى قيام باكستان المستقلة ، وقد عرف ذلك القرار بقرار لاهور او قرار باكستان ، واستمر النضال الى عام 1947 حيث ولدة باكستان المستقلة والمكونة من قسمين باكستان الغربية وباكستان الشرقية .
أما الجزء الاخير من كل كلمة القيتها في الاحتفالات الثلاثة فقد تركزت على مشكلة الباكستانيين المنقطعين في بنغلادش ، والتي نتجت عن انفصال باكستان الشرقية عن باكستان الغربية ، الذين يعيشون في حوالي 66 مخيما منذ قيام بنغلادش التي اعتبرتهم خونة ولا مكان لهم في المجتمع البنغلادشي ، أما باكستان فقد وعدت كل الحكومات المتعاقبة في باكستان بنقلهم وتوطينهم في باكستان إلا انه لم يتحقق شيء على ارض الواقع ، وعلى ضوء نتائج الانتخابات التي جرت في باكستان ، ومجيء عمران خان زعيم حزب حركة انصاف رئيسا للوزراء فإن الامل فيه كبير ان ينصف هؤلاء المساكين ويقدر تضحياتهم من اجل باكستان ابتداء من عام 1947 عندما ضحوا بكل شيء واختاروا الهجرة الى باكستان ، ثم وقوفهم مع الجيش الباكستاني للحفاظ على وحدة باكستان ، ثم ما عانوه بعد سقوط داكا واجبارهم على العيش في تلك المخيمات التي تفتقر لأبسط متطلبات الحياة ، وبديهي ان على الحكومة الباكستانية والشعب الباكستاني مسئولية وطنية واخلاقية وانسانية تجاه اولئك المحصورين ، واول ما يجب فعله تجاههم منحهم جوازات سفر باكستانية وهذا من ابسط حقوقهم ، ثم العمل على نقلهم وتوطينهم في باكستان فهم باكستانيون كغيرهم من الباكستانيين ، وعلى الجميع ان يتذكر قول القائد الاعظم محمد علي جناح :