قامت دولة باكستان بعد نضال كبير ، وتضحيات ضخمه قدمها مسلمو شبه القارة الهندية ، فبعد ان ضعف حكم المغول وتمكنت بريطانيا من احتلال شبه القارة ، مما ادى الى قيام المسلمين والهندوس بثورة او تمرد عام 1857 بقيادة آخر ملوك المغول بهادر شاه ظفر ، ولكن بريطانيا قضت على تلك الثورة او التمرد ، وحملت المسلمين مسئولية ما حصل ، فأبعدتهم وقربت الهندوس ، الذين ابدوا تجاوبا مع رغبات الانجليز وتعلموا لغتهم ، اما المسلمون فقد انطووا على انفسهم ، وابتعدوا عن السلطة وبقدر كبير عن الحكام الجدد ولغتهم ( الانجليزية ) مما جعل بعض المتنورين من المسلمين يناضلون على عدة جبهات ، فمن ناحية يحثون المسلمين على الخروج من العزلة التي وضعوا انفسهم فيها ومن ناحية اخرى ، يطالبون مع الهندوس باستقلال الهند موحدة ، ولكنهم ادركوا فيما بعد ، بضرورة الحصول على وطن خاص بهم وفي مؤتمر الرابطة الاسلامية لعموم الهند الذي عقد في لاهور في عام 1940 ، تقدم الزعيم البنغالي فضل الحق بقرار اعتمد بالإجماع ، وعرف بقرار لاهور او قرار باكستان وينص على ان المسلمين لا يقبلون اقل من دولة باكستان ، وقد تواصل النضال حتى تحقق ما طالب به المسلمون ، وقامت دولة باكستان المستقلة في عام 1947 من شطرين هما باكستان الغربية وباكستان الشرقية ، ولكن مع الاسف ولأسباب كثيرة لا يتسع المقال لذكرها ، نشب نزاع بين الشطرين أدى الى حرب اهلية استمرت تسعة اشهر وانتهت بتدخل الجيش الهندي وقيام دولة بنغلادش بعد استسلام الجيش الباكستاني وسقوط داكا في 16 ديسمبر 1971 .

في جدة نظم المجلس الباكستاني للمنقطعين ( PRC ) ندوة احياء لذكرى من استشهد في حرب انفصال باكستان الشرقية وتذكيرا بالمأساة التي يعيشها الباكستانيون المنقطعون في بنغلادش منذ تاريخ سقوط داكا ، والذين يعيشون في مخيمات بائسة منذ ذلك التاريخ ، حيث ان بنغلادش اعتبرتهم خونة لوقوفهم مع الجيش الباكستاني في حرب الاستقلال ، في حين ان الحكومات الباكستانية المتعاقبة كانت  تعد بنقلهم وتوطينهم في باكستان ، إلا ان تلك الوعود لم تتحقق ، باستثناء بعض الجهود في عهد حكومة الجنرال ضياء الحق ، حيث تم انشاء وقف بالتعاون بين الحكومة الباكستانية ورابطة العالم الاسلامي عندما كان الدكتور عبد الله عمر نصيف امينا عاما لها ، وكان الوقف برئاسة الجنرال ضياء الحق نفسه وعرف بوقف الرابطة ، وكان الغرض من ذلك الوقف نقل وتوطين الباكستانيين المنقطعين في بنغلادش ، ولكن موت الجنرال اثر على تلك الجهود ولكنها لم تتوقف فقد واصلها نواز شريف عندما اصبح رئيسا للوزراء في المرة الاولى وكذلك في المرة الثانية ، أما عندما تولى رئاسة الوزراء في المرة الثالثة فلم يفعل شيئا ولم يقل شيئا فيما يخص اولئك المنقطعين ، بل اصبح الحديث عنهم يزعج الرسميين الباكستانيين ، وكأنهم لم يضحوا من اجل باكستان ، وكأنهم لم يهاجروا الى باكستان وليس الى بنغلادش وكان القائد الاعظم محمد علي جناح لم يقل : ( لولا المذبحة التي تعرض لها المسلمون في بيهار لما امكن قيام باكستان ).

لا احد يعرف مصير وقف الرابطة ، ولا مصير المبالغ التي جمعت له ، ولا من بقي على قيد الحياة من اعضائه ، وكان من ضمن اعضائه الامير طلال بن عبد العزيز ( وصلني خبر وفاته اثناء كتابة هذا المقال فارجو الله سبحانه وتعال ان يتغمده برحمته وان يسكنه فسيح جنته وان يلهم اهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان )  وكما هو ثابت فان الوقف شيء مقدس ولا يجوز التصرف فيه بغير ما خصص له ، ولذلك نهيب برئيس الوزراء الحالي عمران خان بالعمل على إحياء الوقف من جديد وتعيين بدلاء لمن توفي من اعضائه بالتنسيق مع رابطة العالم الاسلامي .

اذا تعذر احياء وقف الرابطة ، فيمكن الرجوع الى خطة سبق ان تقدم بها المسئولون عن PRC) ) وتهدف الى ان يتم نقل وتوطين اولئك المنقطعين عن طريق التمويل الذاتي بعد ان يمنحوا جوازات سفر باكستانية ويسمح لهم بالعمل في أي مكان حتى يتمكنوا من تسديد تكاليف نقلهم وتوطينهم في بلدهم باكستان ولا بد من التأكيد على ان تجاهلهم لا يلغي حقهم القانوني والوطني والانساني ، وان في عدم معالجة مشكلتهم اساءة لباكستان وللفكرة التي قامت عليها باكستان ، فهم وبالرغم من مرور 47 عاما على وجودهم في المخيمات وبالرغم من المعاناة التي تعرضوا لها والوضع المأساوي الذي يعيشون فيه مازالوا يعتبرون انفسهم باكستانيين مثلهم مثل أي باكستاني آخر . 

Comments are disabled.