الشعار الذي رفعه الرئيس الامريكي دونالد ترمب اثناء حملته الانتخابية ( امريكا اولا ) ليس جديدا ، وانما يتوافق مع سياسة العزلة التي طبقتها بعض الادارات الامريكية المتعاقبة والتي بدأت منذ مائة عام تقريبا فيما عرف ب مبدأ منيرو ، وذلك عندما وجه الرئيس جيمس منرو رسالة الى الكونغرس نادى فيها بضمان استقلال دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الاوروبي ، ويشير المبدأ الى انه لايجوز اعتبار الاوروبيين الامريكيين رعايا مستعمرات لدول اوروبية ، وكان الغرض من المبدأ ان الولايات المتحدة لن تسمح بتكوين مستعمرات جديدة في الامريكتين وعدم السماح للمستعمرات القائمة بالتوسع ، وقد ايد عدد من الرؤساء الامريكيين الذين جاءوا بعد منرو المبدأ الى ان قامت الحرب العالمية الاولى حيث انضمت الولايات المتحدة الامريكية الى الحلفاء وتم الانتصار في الحرب ، وقدم ودرو ولسن برنامجه المتمثل في النقاط ال 14 والتي كان من ضمنها انشاء عصبة الامم التي لم يعتمدها الكونغرس ، فكان ذلك احد اسباب فشل عصبة الامم ، وعودة الولايات المتحدة الامريكية الى سياسة العزلة وبالتالي عودة طبول الحرب تدق ، وفي خلال عقدين تندلع الحرب العالمية الثانية ، والتي لم تنضم اليها الولايات المتحدة الامريكية في البداية بشكل مباشر ، ودخلت  الحرب بعد ان ضرب اليابانيون بيرل هاربر ، ومنذ الانتصار في تلك الحرب وجدت نفسها زعيمة للعالم الحر . وفي المقابل كان عليها ان تتحمل الكثر من الاعباء .

جاء دونالد ترمب بشعار امريكا اولا ، وبدأ يتحلل من تلك الاعباء مع رغبته البقاء في زعامة العالم ولكن على حساب غيره ، وكما ظهر من ردة فعل المكسيك على قرار ترمب بناء جدار على الحدود المكسيكية الامريكية على حساب المكسيك ، فكان رد الرئيس المكسيكي هو الغاء الزيارة التي كان مقررا ان يقوم بها لترمب ، ولا شك ان هذا التصرف قد جعل المكسيكيين يفخرون برئيسهم ، فليس معقولا ان يبنى جدار ضدهم وعلى حسابهم .

لم يقتصر ترمب على قرار بناء الجدار ، بل قام بالغاء اتفاقية النافتا ، وهي اتفاقية التجارة الحرة بين دول امريكا الشمالية  ( الولايات المتحدة وكندا والمكسيك ) بحجة انها ليست في صالح الولايات المتحدة ، وقبلها اعلن انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ التي سبق ان وقعتها الولايات المتحدة اثنا حكم ادارة الرئيس اوباما ، كما انسحب من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادي ، واعتبر ان الانضمام لهذه الاتفاقية هو من الكوارث التي ارتكبها الرئيس اوباما حسب قوله ، وكان قد اعلن ان حلف شمال الاطلسي قد عفى عليه الزمن ، إلا انه عاد وقال انه لا يمكن ان يقال انه قد عفى عليه الزمن وذلك بعد ان ايده اعضاء الحلف عندما ضرب سوريا ، ولكنه قال ان تكاليف الحلف يجب ان يعاد توزيعها على الدول الاعضاء وان نسبة مشاركة الولايات المتحدة في ميزانية الحلف غير عادلة ،

من جهة اخرى دخل ترمب في حرب تجارية مع الصين وفرض رسوما قال انها البداية ، وانه سوف يفرض مزيدا من الرسوم على البضائع الواردة من الصين ، في حين اعلنت الصين بانها لن تسكت وسوف تفرض رسوما على ما يرد اليها من الولايات المتحدة  ، مما يهدد بحرب تجارية شاملة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين ، وقد تشترك فيها جهات ودول اخرى ، وقد تتحول من حرب تجارية الى حرب من نوع آخر خصوصا وان التوتر يتزايد بين البلدين في بحر الصين ، ويعتقد المراقبون ان الصين يمكن ان يكون ردها مقبولا ان لم يتمادى ترمب في الضغط ، وإلا فيمكن لها اللجوء الى فرض رسوم على وارداتها من البضائع الامريكية ، او رفض شراء السندات الحكومية الامريكية ، او تأميم المصانع الامريكية على الاراضي الصينية

السياسات القاسية التي اتبعتها ادارة الرئيس ترمب ليس مع خصوم الولايات المتحدة فقط وانما مع اصدقائها وحلفائها والنكوص عن كل ما تم اعتماده من الادارات السابقة ، وعدم اعترافه بالقرارات الدولية وانتهاكه للقانون الدولي خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقضية القدس على وجه التحديد ، ووقف المساعدات لمنظمة الانروا لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين ، والانسحاب من منظمة اليونسكو ومجلس حقوق الانسان ، ووقوف الولايات المتحدة بجانب اسرائيل ضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني لا يجعلها في عزلة فحسب وانما يعرض النظام الدولي للفوضى والخطر ويهدد القيم والمبادي الديمقراطية التي تدعيها الولايات المتحدة الامريكية .   

Comments are disabled.