توفي السيد كوفي عنان  مؤخرا عن عمر ناهز 80 عاما قضى نصفها في الامم المتحدة ، حيث بدأ موظفا صغيرا وترقى فيها الى ان احتل اعلى مركز في المنظمة الدولية ، وقد نعاه الامين العام الحالي للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش وقال : انه كان قوة تعمل من اجل الخير ، واضاف ان عنان كان يجسد الامم المتحدة من جوانب مختلفة ، وقد حصل كوفي عنان بالاشتراك مع الامم المتحدة على جائزة نوبل للسلام .

 يعود جزء من الفضل لوصول كوفي عنان الى منصب الامين العام للأمم المتحدة الى بطرس غالي الذي تحدى رغبة الولايات المتحدة في عدم نشر التقرير الخاص بمذبحة قانا التي ارتكبتها اسرائيل في جنوب لبنان ، فعاقبته الولايات المتحدة بعدم التجديد له ، وحيث ان الدور كان لأفريقيا ، فقد تم اختيار كوفي عنان بدلا من التجديد لبطرس غالي ، وقد نجح الرجل في ادارة الامم المتحدة بحكم خبرته الطويلة فيها ، وقد كان من المعارضين لغزو العراق ، واكد ان كل الدلائل تشير الى عدم امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل كما زعم الامريكان والبريطانيون ، واعلن ان غزو العراق غير قانوني . ومن ناحية اخرى اتهم بالسكوت على وجود فساد في برنامج النفط مقابل الغذاء وان ولده كان يعمل في احدى الشركات التي تولت تنفيذ ذلك البرنامج ، ولكن تحقيقا اجرى حول تلك الاتهامات اثبت عدم صحتها .. بالنسبة للقضية الفلسطينية فقد كانت له مواقف مؤيدة للقضية الفلسطينية على وجه العموم ، ولم يكن في امكانه اكثر من ذلك وكان ضد سياسة الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية ،وكان يتجنب مواجهة السياسة الامريكية المنحازة تماما الى العدوان الاسرائيلي بالرغم من وجود العديد من القرارات الدولية التي لم يكن قادرا على تنفيذها بسبب الهيمنة الامريكية على المنظمة الدولية ، وقد كان له مواقف سلبية تجاه القضية الفلسطينية خصوصا عندما وصف الشعب الفلسطيني بانه  ، لا يتفهم الطرف الثاني ، ولم يقل كيف لشعب تحت اطول احتلال واسوأ احتلال ان يتفهم من يحتله ، ومع ذلك لم يسلم من هجوم اسرائيل عليه حتى بعد ان ترك الامم المتحدة خصوصا بعد ان اعرب عن اسفه العميق لقرار الرئيس الامريكي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس المحتلة واعطى ما لا يملك لمن لا يستحق .

عندما اندلعت الازمة السورية ، تم اختيار كوفي عنان مبعوثا للأمم المتحدة والجامعة العربية وبذل مجهود كبير في سبيل حل المشكلة واقترح خطة للسلام ارسلها لمجلس الامن تتكون من  ست نقاط وتركز على وقف اطلاق النار ، والدخول في مفاوضات مع المعارضة تؤدي الى مشاركة سياسية من الجميع ، وتحترم حرية الصحافة وتحرك الصحفيين ، ويفرج بموجبها عن المعتقلين ، ولما وجد ان المشكلة  متشعبة ويصعب جمع اطرافها استقال وبرر استقالته بعدم حصوله على الدعم اللازم من المجتمع الدولي بجانب الانقسام في مجلس الامن ، والتصعيد العسكري وقد امتدحه الامين العام بان كي مون على الجهود التي بذلها اثناء اداء مهمته . 

   عندما توالت الضغوط على السيدة اونق سان سو تشي مستشارة الدولة ووزيرة الخارجية في ميانمار ، بسبب ما يلاقيه مسلمو الروهنجيا من انتهاكات لحقوقهم المدنية والانسانية ، قررت تشكيل لجنة مختارة من قبلها ، وقامت باختيار كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة لرئاسة تلك اللجنة ، وكان الغرض من تلك اللجنة هو اعطاء مصداقية لها ، كما كانت تهدف لتخفيف الضغط الدولي على حكومتها تجاه الجرائم التي ترتكب ضد مسلمي الروهنجيا ، وفي نفس الوقت ارادت صرف الأنظار عن الانتقادات التي أصبحت توجه اليها شخصيا ، ولم يكن متوقعا ان يقبل السيد كوفي عنان القيام بهذه المهمة الغامضة والمشبوهة ،ويضحي بسمعته ومصداقيته ، خصوصا وان اللجنة التي تم اختياره ليكون رئيسا لها مشكلة من قبل حكومة تمارس التطهير العرقي ضد اقلية حرمت من كل حقوقها ، وتعرضت للقتل والتشريد والاغتصاب على ايدي المتشددين البوذيين بمباركة الحكومة ، ولم يكن مقبولا ان يشكل المجرم لجنة للتحقيق في جرائمه مع العلم ان الموضوع لم يكن في حاجة الى لجنة او تحقيق ، ولم تكن تلك الجرائم خافية ، بل كانت موثقة لدى الامم المتحدة ومجلس حقوق الانسان  ومن قبل كل المنظمات الحقوقية الدولية ، ومع ان لجنة كوفي عنان قد قدمت تقريرا هزيلا ولم تذكر فيه اسم مسلمي الروهنجيا لأن سان سو تشي التي شكلت اللجنة لم تكن تطيق سماع اسم ضحاياها .   

Comments are disabled.