الماء هو اساس الحياة ، وكما قال الله عز وجل في محكم التنزيل   ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) وقد اولى الانسان اهمية كبيرة لتطوير وسائل وطرق الحصول على الماء وتخزينه على مدار التاريخ للأهمية العظيمة لوجود الماء في حياة الانسان ، وقد ساهمت الحضارات المختلفة في تطوير طرق جلب الماء وحفظه وتصريفه ، فكان الاغريق من اوائل من استخدم انابيب من الخزف لجلب الماء وتصريفه ، كما كان الهنود اول من قام بحفر الابار للحصول على الماء وذلك في العصر الحجري ، كما اوجدوا نظام تصريف للماء ، أما الرومان فقد كانوا اول من شق القنوات لنقل الماء وانشأوا الخزانات لحفظه ، وقد استمر التوسع في حفر الابار وشق الترع وبناء الخزانات مع ازدهار الحضارة الاسلامية وحفرت العيون كعين زبيدة التي حفرت خصيصا للحجاج من قبل زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد .

سوف يكون الماء في مدينة جدة محور هذا المقال فمن عاش في هذه المدينة قبل ستين عاما يدرك اهمية الماء وصعوبة الحصول عليه وخصوصا ماء الشرب ، فقد كان افضل ماء هو الماء الذي كانت تنتجه مكائن الكنداسة وهي طريقة التحلية في ذلك الوقت ولكن لم يكن الحصول عليه سهلا ولا ممكنا ، فقد كان باهض الثمن ولا يقدر على شرائه الا الموسرين ، اما الاغلبية من سكان المدينة فقد كانوا يعتمدون على مياه الصهاريج  وهي خزانات تبنى تحت المنازل وتورد اليها مياه الامطار لحفظها لاستخدامها لكافة الاغراض ، وبعد ان امر الملك عبد العزيز بجلب الماء لجدة  من وادي فاطمة بما عرف بمشروع العين العزيزية الذي وفر الماء في كل الاحياء ، وينقل الى المنازل بواسطة السقائين ، حيث يقوم السقا بملء تنكتين مربوطتين بطرفي عود يحمله على كتفه ويوصله الى المنازل ليفرغ في حنفيات او ازيار ، كما كان الماء ينقل ايضا الى المنازل في براميل على عربات تجرها الحمير ، ولم تكن الاسرة الواحدة من الطبقة المتوسطة تحتاج الى اكثر من اربع الى خمس زفات في اليوم ، او برميل او اثنين ، ولكن عندما استبدلت معظم الاسر منازلها  القديمة في جدة القديمة بفلات جديدة في الاحياء الجديدة زاد استهلاك الماء بشكل غير عادي خصوصا بعد ان مددت الانابيب التي تحمل الماء الى المنازل الجديدة بسعر رمزي لأن ادارة العين العزيزية كانت تعتبر الماء وقف باسم الملك عبد العزيز ، لكن مع توسع المدينة وتغير نمط الاستهلاك ، لم يعد الماء الذي يجلب من وادي فاطمة والاودية المجاورة كافيا مما جعل الدولة تعمد الى انشاء محطات التحلية العملاقة التي تنتج كميات كبيرة من الماء ، ولكن مع ذلك ما زال يحصل نقص ليس في جدة وحدها ولكن في  المدن والقرى في كل مناطق المملكة ، مما يستدعي التفكير في تغيير نمط استهلاك الماء والحفاظ عليه .

لقد تغير نمط استهلاك الماء لدى الشعب السعودي عموما وفي جدة على وجه الخصوص خلال العقود الاربعة او الخمسة الماضية بشكل دراماتيكي ، فحسب معايير منظمة الصحة العالمية يحتاج الفرد من الماء 83 لتر ، ولكن الفرد السعودي يستهلك اكثر من المعدل العالمي المتفق عليه ثلاثة مرات أي 256 لتر للشخص الواحد ، ولم تنفع كل وسائل التوعية التي اتخذتها السلطات المختصة بضرورة الاقتصاد في استهلاك الماء ، فقررت الدولة انشاء شركة المياه الوطنية والتي قامت بزيادة اسعار الماء بشكل غير معقول مما ادى الى تذمر الناس ورفع الشكاوي للجهات العليا وتم اعفاء الوزير الذي اتخذ قرار التعرفة العالية والذي لم يقبل التراجع عن قرار رفع السعر ، ومع ذلك فمازال البعض من مستهلكي الماء يشتكي من سوء معاملة بعض موظفي شركة المياه الوطنية وتذبذب قيمة الفواتير او الرسائل التي تصلهم من الشركة وتطلب منهم مبالغ متفاوتة فتارة تكون المبالغ معقولة وتارة اخرى تكون عالية جدا بدون مبرر للتفاوت في اختلاف قيمة الاستهلاك .

ان الحاجة ماسة الى ترشيد استهلاك الماء ليس في جدة فحسب بل في كل مناطق المملكة ، وقد يكون احد الخيارات هو رفع السعر ولكن يجب ان يكون متدرجا بحيث كلما ارتفع الاستهلاك ارتفع السعر وهذا ما تدعي شركة المياه الوطنية انها تقوم به ، ولكن هناك عدم انتظام في تحصيل قيمة استهلاك الماء من عمائر لمدد قد تصل الى سنوات ثم فجأة تطالب الشركة المستهلك بدفع مبالغ كبيرة ليس في امكان الكثيرين تحملها وبهذا تدخل الشركة في نزاع مع مستهلكي الماء ، بالإضافة الى تقادم الشبكة وربما تسرب الكثير من الماء في باطن الارض .   

Comments are disabled.