عندما انهزمت الجيوش العربية في الحرب مع اسرائيل في عام 1948 برر العرب تلك الهزيمة بالتحكم البريطاني في بعض البلاد العربية ، والاسلحة الفاسدة التي حارب بها العرب ، وعدم وجود تنسيق وانضباط بين الجيوش العربية ، زد على  ذلك عدم وجود اوامر عند بعض الجيوش العربية ( ما كو اوامر ) وربما السبب الاهم هو ان الجيوش العربية التي لم تكن على قدر كاف من التدريب قد حاربت مليشيات صهيونية مدربة احسن تدريب من قبل  الجيوش الغربية ومتطوعين مختارين من الجيوش الغربية .

بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948 توعد العرب عدوهم بالانتقام وبدأوا بالاستعداد للحرب القادمة لتلقين العدو درسا لن ينساه ، إلا ان المفاجأة كانت نكسة لم يتوقعها العرب ولم يحلم بها الاسرائيليون هي نكسة 1967 عندما شنت اسرائيل حربا مباغتة على ثلاث دول عربية هي مصر وسوريا والاردن ، فبالرغم من المناوشات الكلامية التي سبقت الحرب ، إلا ان تحذيرات الدول الكبرى لكلي الطرفين بعدم البدء بالحرب ، جعلت الدول العربية تنخدع ، في حين ان اسرائيل لم تعرها أي اهتمام وقامت في صباح يوم 5 يونيو 1967 بضرب الطائرات العربية وهي جاثمة على الارض ودمرت المطارات في الدول الثلاث .

في حرب 1973 او حرب العاشر من رمضان استطاع الجيش المصري ان يعبر قناة السويس ويلقن الاسرائيليين درسا لن ينسوه فقد استطاع الجيش المصري تدمير خط بارليف وحطم صورة الجيش الذي لا يقهر ، وقامت الولايات المتحدة بعمل جسر جوي لتعويض اسرائيل عن خسائرها في الحرب ونتيجة مراوغة اسرائيل في عدم التزامها بوقف اطلاق النار الذي دعا اليه مجلس الامن ، استطاعت ان تحقق بعض المكاسب على الجبهتين المصرية والسورية ، ولكن الوضع العربي كان افضل مما كان عليه قبل حرب رمضان ، وكان العرب ملتزمون باللآت الثلاثة التي اتخذوها في مؤتمر الخرطوم بعد نكسة 1967 .

فاجأ الرئيس انور السادات العرب والاسرائيليين بقراره زيارة القدس ومخاطبة الكنيست الاسرائيلي عن رغبته في السلام ، ورحب الاسرائيليون بالزيارة في حين استنكر العرب قرار السادات وقاطعوه ، وقرروا نقل مقر الجامعة العربية الى تونس واعتبروا ما قام به السادات خيانة للقضية الفلسطينية ، وادى توقيع اتفاقية سلام بين مصر واسرائيل الى ضربة في خاصرة التضامن العربي ، وبعد خروج مصر من دائرة الاهتمام بالقضية الفلسطينية  تبعتها الاردن ثم جاء دور اتفاق اوسلو بين الفلسطينيين وغرمائهم الاسرائيليين والذي كان مبني على اساس حل الدولتين  واتضح انه كان فخ نصب للفلسطينيين بحجة اجراء مفاوضات بين الطرفين والتي لم تحقق للفلسطينيين شيئا يذكر ، في حين قامت اسرائيل بتهويد القدس وزرعت الضفة الغربية بالمستوطنات وبنت الجدار العنصري الذي قطع اوصال الضفة الغربية ،

كانت القضية الفلسطينية في ضمير الدول العربية حكومات وشعوب ولم يكن واردا ان تتخلى عنها والتقارب مع العدو الصهيوني ، ومع ان مصر والاردن قد وقعت اتفاقيات سلام مع اسرائيل ، إلا ان الشعوب ترفض التطبيع ، وكانت ومازالت ترفضه وتتمسك بالثوابت بانه مالم تحل مشكلة فلسطين بما يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة وفي مقدمتها قيام دولة مستقلة وقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف ، فانه لا تطبيع مع اسرائيل ولا مع الاسرائيليين ، ولكن بدأت في الآونة الاخيرة تظهر اصوات نشاز تدعوا الى التطبيع مع العدو الاسرائيلي وتصفه بأوصاف لا يمكن ان يوصف بها عدو يقتل الشعب الفلسطيني ويشرده ، ويصادر اراضيه ليبني عليها مستوطنات مخالفة لكل الشرائع والقوانين الدولية ، ويمارس الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني ، ويحاصر غزة ويحولها الى سجن كبير ، وكل هذا يتم تحت نظر العالم وبصره ودون ان تتحرك الدول والغربية منها على وجه الخصوص وهي التي مكنت اسرائيل ورعتها وتتعامى عن الجرائم التي ترتكبها  ضد الشعب الفلسطيني .

دعت مؤخرا الولايات المتحدة الامريكية الى مؤتمر في وارسو حضره عدد كبير من الدول بما فيها بعض الدول العربية ، وقيل ان موضوع ما يسمى بصفقة القرن التي يعمل الرئيس الامريكي ترمب وصهره على تمريرها كانت ضمن المواضيع التي ناقشها المؤتمر ، ولكن لا بد انها باءت بالفشل حيث ان اصحاب القضية الفلسطينيين قد قاطعوا المؤتمر واعلنوا عدم قبول أي دور للولايات المتحدة في حل القضية بعد ان اعترف الرئيس ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل اليها سفارة بلاده في خرق واضح وصريح للقانون الدولي وقرارات الامم المتحدة .

على العرب حكومات وشعوب ان تتمسك بالمبادرة التي قدمها الملك عبد الله لمؤتمر القمة الذي عقد في بيروت في العام 2002 وتبنتها القمة كمبادرة عربية وتنص على قيام دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية  ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين وانسحاب اسرائيل من هضبة الجولان السورية في مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل والتطبيع معها ، وبما ان العرب قد قبلوا هذه المبادرة والتزموا بها ، ولا يليق باي دولة عربية او فرد عربي ان يخرج عنها او يتنازل عن ما ورد فيها وإلا فان التاريخ سيلعنه وتلعنه الاجيال القادمة .                  

Comments are disabled.