في انتهاك صريح للقانون الدولي ولقرارات مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة وكل الشرائع والمواثيق الدولية والتي تحرم احتلال اراضي الغير بالقوة ، اصدر الرئيس الامريكي دونالد ترمب مرسوما يعترف فيه بحق اسرائيل بضم مرتفعات الجولان التي احتلتها اثناء الحرب العدوانية التي شنتها على ثلاث دول عربية هي مصر والاردن وسوريا في عام 1967 ، وقبل هذا يعترف ايضا بالقدس عاصمة ابدية لإسرائيل في تحد صارخ لكل المواثيق والشرائع ، وباستفزاز لمشاعر المسلمين التي تمثل لهم القدس القبلة الاولى التي كانوا يتجهون اليها في صلاتهم ، كما ان القدس ارض مقدسة ومباركة لدى المسلمين والمسيحيين ، وهي عاصمة الدولة الفلسطينية التي جرى الاتفاق على قيامها بجانب دولة اسرائيل على حدود 1967 .

يظن الرئيس ترمب انه يقدم خدمة لإسرائيل ، وهو بقراره هذا يمهد لزوالها لأنها نبتة خبيثة زرعت في قلب العالم العربي من قبل الحكم البريطاني الاستعماري ، من خلال الوعد الذي قطعه وزير خارجية بريطانيا بلفور لليهود بان يكون لهم وطن قومي في فلسطين ، وكأن فلسطين قطعة ارض يملكها هو او حكومته ليمنحها لليهود الذين كانوا يعيشون في المجتمعات الاوروبية ويعملون ضد مصالحها ، مما جعلها تضيق الخناق عليهم من جهة وتسهل لهم سبل الهجرة الى فلسطين ليطردوا اهلها ويصادروا  ممتلكاتهم ، ويقتلون من يدافع عن ارضه وعرضه .

ما فعله ترمب هو امتداد لما فعله بلفور من قبل وهو عدوان آخر ليس على حق الفلسطينيين فقط وانما على حق عموم المسلمين في كل مكان بالنسبة للقدس ، واذا كان المسلمون الآن في موقف ضعف فسياتي اليوم الذي يصبحون فيه اقوياء وسيدفع اليهود ومن يؤيد باطلهم الثمن غاليا والحقوق لا تضيع بالتقادم .

تصرفات الرئيس ترمب تنسف كل الادعاءات الامريكية بالعمل على خلق عالم جديد يسوده النظام وتنتهك كل القوانين الدولية وقرارات الامم المتحدة حتى تلك التي وافقت عليها الولايات المتحدة الامريكية ، فاين العقل والمنطق واين النظام والقانون ، وألا يوجد لدى الرئيس ترمب مستشارون قانونيون يوضحون له الخطأ من الصواب ، ويفهمونه انه لا يليق برئيس الدولة العظمى في العالم ان ينتهك القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة التي تم التفاوض عليها واعتمدت بموافقة الولايات المتحدة الامريكية ، وعندما يقوم الرئيس بالعمل ضد تلك القرارات ومخالف لبنودها فانه يجعل مصداقية الولايات المتحدة الامريكية على المحك ويجعل الدول الصغرى تفقد الامل في الامم المتحدة وفي كافة الوكالات التابعة  لها ، ويجعل وجود هذه المنظمات مثل عدمه ، وسياسة القوي يفرض ما يريده سياسة مدمرة وقد تقضي على صاحبها ، فالمثل الذي يقول : العدل اساس الملك ، هو مثل صحيح وموضوعي ومن لم يطبقه فان مصيره مظلم وغير واضح .

ما ينطبق على القدس ينطبق على مرتفعات الجولان السورية التي احتلتها اسرائيل في نفس الوقت الذي احتلت فيه القدس واثناء حرب عدوانية شنتها على الدول الثلاث ، وقد ضمتها اسرائيل اليها في عام 1981 وصدر قرار مجلس الامن ببطلان هذا الضم وان المرتفعات تبقى سورية محتلة ، وانه لا يجوز للمحتل تغيير معالم المناطق المحتلة جغرافيا او ديموغرافيا ، وقد ادانت كل دول العالم هذا الاجراء الذي اتخذه الرئيس الامريكي ووصفوه بغير القانوني وغير الشرعي ، وانه يلغي الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في ايقاف الحرب وفي ترتيب الهدنة التي لم تسقط او تخترق واوجدت الاستقرار في المنطقة ، وما ذكره الرئيس الامريكي كمبرر لقراره وانه سيوفر الامن لحليفه الاسرائيلي ويحقق الاستقرار في المنطقة ، وعليه ان يتأكد انه لا امل في تحقيق الامن لإسرائيل ولن يكون هناك استقرار في المنطقة دون ان تعاد الحقوق لأصحابها ويتوقف العدوان ، مع العلم ان الكل يعرف ان ما قام به ترمب انما هو هدية لصديقه نتن ياهو لتخدمه في الانتخابات القادمة والتي لن تكون سهلة له لوجود منافسين له اقوياء بجانب تهم الفساد التي تلاحقه ، كما يهدف الى ارضاء قاعدته الانتخابية من الانجيليين المؤيدين لإسرائيل تمهيدا للاستعداد للانتخابات الامريكية القادمة .

لعل الزعماء العرب الذين يجتمعون في تونس يشعرون بالمسئولية تجاه امتهم وقضاياها ويتخذون القرار الصائب ويطلبون من الحلفاء والاصدقاء مساعدتهم في تسويق المبادرة العربية فإما ان تقبل او تسحب ، فالتراخي والتساهل لن يوصلهم الا الى المهالك .    

Comments are disabled.