كان الاسبوع الماضي اسبوعا حزينا بالنسبة لي حيث خطف الموت شقيقي عبد الله بعد معاناة مع المرض استمرت عدة سنوات ، وقد كان نعم الاخ ونعم الصديق ونعم المربي ، فقد قام هو واخي الذي يكبره سعيد اطال الله في عمره ، بدور الاب بعد فقد الاب ، وكنت مع بقية اخوتي صغارا عندما توفي والدنا ، فتولى اخي سعيد وكان يسنده اخي عبد الله رحمه الله حيث وقف الاثنان مع الوالدة طيب الله ثراها برعاية الاسرة ، في وقت كان من اصعب الاوقات ، فلم يكن لدى الاسرة دخلا ثابتا ، وكانت تعتمد على ما تجود به الاراضي الزراعية القليلة التي ورثناها عن الوالد ، والتي كانت تحتاج الى جهود مضنية من كل فرد في الاسرة ، ففي حين تولى اخي سعيد مع الوالدة خدمة الارض وتصريف امور الاسرة ، قام عبد الله بالسفر الى جدة والمنطقة الشرقية للبحث عن عمل يدر دخلا يساعد في اعالة الاسرة ، وقد انتهى به المقام في مدينة الخرج حيث عمل فيها لعدة سنوات، ثم عاد بعد ان تحسنت احوال الاسرة وكبر من كان صغيرا .
من اجمل واقوى العلاقات بين البشر علاقة الاخوة ، فوجود اخ يفرح لفرحك ويحزن لحزنك ، يقف معك وقت الشدة بنفسه وماله ولعل من اجمل ما قيل في موضوع الاخ هو موقف رئيس احدى القبائل العربية عندما تشاجر اخوه مع ابنه وادى هذا الشجار الى موت الابن ، وعندما وصله الخبر وكان يعقد اجتماعا مع كبار رجال القبيلة فلم يوقف الاجتماع ، وانما دعا احد اولاده الآخرين وطلب منه اخذ اخيه وغسله وتكفينه ودفنه ، وانشد شعرا يقول فيه: أقول للنفس تصبيرا وتعزية … احدى يدي أصابتني ولم ترد … كلاهما خلف في فقد صاحبه … هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي.
وللأخ في الادب العربي مكانة مميزة ، فيقال ان شخصا كان يحمل اخاه ، فقيل له هل الحمل ثقيل ؟ فقال : هذا ليس حملا ! انه اخي ، ويروى عن شيخ الاسلام ابن تيمية انه قال : مثل الاخوة كمثل اليد والعين ، اذا دمعت العين امتدت اليد لتمسح الدمعة ، واذا تألمت اليد انهمرت الدمعة من العين من اجلها ، وربما كان الشاعر المهلهل افضل من وصف مكانة الاخ عندما علم بمقتل اخيه كليب ، حيث قام المهلهل بجز شعره وقصر ثوبه وآلى على نفسه ألا يهتم بلهو ، ولا يشم طيبا ، ولا يشرب خمر ا ، ولا يدهن بدهن حتى يقتل بكل عضو من اخيه كليب رجلا من قاتلي اخيه ، وقد صور احتشاده للثأر في شعر كثير عاهد فيه كليبا على ترك كل ملذات الحياة حتى يأخذ بثـأره ، ومما قال : وصار الليل مشتملا علينا … كأن الليل ليس له نهار … اصرف مقلتي في اثر قوم … تباينت البلاد بهم فغاروا … دعوتك يا كليب فلم تجبني… وكيف يجيبني البلد القفار… اجبني يا كليب خلاك ذم … لقد فجعت بفارسها نزار … سقاك الغيث انك كنت غيثا … ويسرا حين يلتمس اليسار .
أما الخنساء وهي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد وهي شاعرة مخضرمة عاشت في الجاهلية وادركت الاسلام واسلمت وحسن اسلامها ، وقد فاقت كل وصف في رثائها لأخيها صخر حتى اصبح شعرها امثالا تقال وحكما تروى ، ومما قالت من الشعر : صخر وللدهر أحلاء وأمرار … وإن صخرا لوالينا وسيدنا … وإن صخرا إذا نشتو لنحار … وإن صخرا لمقدام إذا ركبوا … وإن صخرا إذا جاعوا لعقار … وإن صخرا لتأتم الهداة به … كأنه علم في رأسه نار .
ومن هنا فان مكانة الاخ لا تعادلها مكانة ، ومن يفقد اخاه فإنه يفقد السند ، ويفقد العضد ، وقد سئلت امرأة : ماذا تفعلين لو وجد اخوك وابنك وزوجك في خطر ، وطلب منك انقاذ واحد منهم فمن تختارين ، فقالت : الزوج موجود ، والابن مولود ، والاخ مفقود واختارت اخاها لتنقذه من الخطر ، وعليه فليس امامي تجاه مصابي الا ترديد قول الله ( الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون ) اللهم اغفر لأخي وارحمه واكرم نزله ووسع مدخله واجعل قبره روضة من رياض الجنة برحمتك يا ارحم الراحمين .