يوجد مثل عربي قديم يقول : ( حشف وسوء كيل ) والحشف هو التمر الرديء ، وقصة هذا المثل هو ان احد الاشخاص اشترى تمرا من احد التجار على انه من التمر الجيد ، فوجد التمر من النوع الرديء وفي نفس الوقت وجد ان التاجر قد غشه في الكيل او الوزن ، فاحتج عليه فقال للتاجر هذه العبارة ( حشفا وسوء كيل ) التي اصبحت مثلا يقال عندما تجد ان الغش مضاعف ، وهذا هو حال عمال النظافة لدينا مع الشركات والمقاولين الذين يدخلون مناقصات تنظيف المدن ويوقعون العقود بمئات الملايين ، وعند التنفيذ يتعاقدون مع عمال يحضرونهم بواسطة مكاتب استقدام العمال ، ويوقعون معهم عقود هي اشبه بعقود السخرة او عقود الاذعان وبرواتب زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع ، ثم يكلفونهم بالعمل الشاق في بيئة شديدة الصعوبة وشديدة الحرارة .

اوردت هذه المقدمة لتأكيد ما نشر في جريدة عكاظ تحت عنوان : عمال تحت الشمس الحارقة يعاقبون 14 مؤسسة ) وفي تفاصيل الخبر الذي نقله مندوب الجريدة في المدينة المنورة احمد السوقان ان جريدة عكاظ رصدت عمال نظافة يعملون تحت اشعة الشمس الحارقة في الفترة المحظور العمل فيها طبقا للقرار الوزاري الذي ينص على انه ( لا يجوز تشغيل العامل في الاعمال المكشوفة تحت اشعة الشمس من الساعة 12 ظهرا الى الساعة الثالثة مساء خلال الفترة الواقعة بين ال 15 من شهر يونيو الى نهاية اليوم ال 15 من شهر سبتمبر من كل عام ميلادي ) وحسب ما ورد في الخبر ان عكاظ سألت مدير العلاقات والاعلام بفرع وزارة العمل بالمدينة احمد السناني ، فأوضح ان فرق التفتيش بمكتب عمل المدينة المنورة وبقية الفروع بالمحافظات تقود جولات تفتيشية مفاجئة لمتابعة تنفيذ القرار الذي يمنع تشغيل العمال تحت اشعة الشمس ، واوضح انه تم ضبط 14 مخالفة للقرار واتخذ بحق الشركة المخالفة الإجراء المناسب ، وشدد السناني على ان الانظمة تمنع تشغيل العمال تحت الشمس ضمانا لسلامتهم والتزاما بتوفير بيئة عمل صحية وآمنة للعمالة وتجنيبهم المخاطر الصحية ودعا السناني اصحاب العمل مراعاة ما نص عليه القرار ، مشيرا الى ان الوزارة تعمل جاهدة على توفير بيئة عمل آمنة من مخاطر العمل المختلفة ورفع مستوى كفاءة وسائل الوقاية للحد من الاصابات والامراض المهنية وحماية العاملين من الحوادث .

لم يذكر مدير العلاقات العامة بفرع وزارة العمل بالمدينة المنورة شيئا عن نوع العقوبات التي فرضت على 14 شركة ومؤسسة التي لم تلتزم بالقرار الوزاري الذي يمنع تشغيل العمال في الاوقات التي يشتد فيها الحر ، وفي الغالب انها عقوبات رمزية ، قد تكون توجيه انذار او غرامة مالية رمزية لن تردع تلك الشركات والمؤسسات التي انعدم الحس الانساني لدى المسئولين عنها ، ليس في موضوع تشغيل العمال في الاوقات شديدة الحرارة فقط وانما في التهاون بحقوق العمال ابتداء من الرواتب الزهيدة التي تعطى لهم والتي لا يمكن اعتبارها منصفة باي معيار بجانب سوء البيئة التي يعيش فيها اولئك العمال اذ يكدسون في غرف ضيقة وبأعداد كبيرة في الغرفة الواحدة ، وان وفرت الاعاشة لهم فهي من النوع الرديء الذي لا يصلح لعمال يقومون بأعمال شاقة وصعبة ولا يقبل القيام بها إلا القليل من المضطرين المغتربين الذين غرر بهم من قبل وكالات الاستقدام في بلادهم وبموافقة مندوبي الشركات والمقاولين الذين يذهبون الى البلاد المصدرة لتلك العمالة ويقدمون الوعود الكاذبة والاغراءات التي تتحول الى سراب عند وصول العمال .

لقد كتبت وكتب غيري عن الظلم الذي يتعرض له عمال النظافة من قبل الشركات والمقاولين الذين يوقعون عقود النظافة بمئات الملايين ، ويعطون الفتات لمن يقوم بعمل النظافة ، وطالبنا بإنصاف هؤلاء العمال وذلك بمنحهم رواتب مجزئة وبيئة عمل جيدة حتى يشعرون بالرضا ويؤدون العمل بإخلاص ، وسبق ان قلت ان الرواتب التي تعطى للعمال غير كافية وغير منصفة وغير معقولة ، وان العامل الذي يتقاضى راتب بين 300 و400 ريال في الشهر يتحول الى شحات يستجدي المارة ليعطوه صدقة ليعيش كما يعيش البشر ، وانهم لا يلامون اذا فعلوا ذلك ، وقلت ان مسئولية ذلك تقع على البلديات التي تشرف على تنفيذ عقود النظافة ، وانه يجب على الجهة التي تصيغ العقود ان تجعل من شروط العقد توضيح العدد المطلوب من العمال والآليات المطلوب توفرها ، وان تحدد الرواتب التي تعطى للعمال بحيث تكون كافية ومناسبة للعمل الذي سوف يقومون به ، وإلا فان العامل والذي هو العنصر الرئيسي في عملية النظافة ، سوف لن يعمل بجد واخلاص اذا لم يعطى كامل حقوقه .    

Comments are disabled.