احتفل الباكستانيون وكثير من المسلمين في شبه القارة الهندية وخارجها بذكرى ميلاد العلامة الدكتور والشاعر والفيلسوف والسياسي ورجل القانون والخبير الاقتصادي محمد اقبال الذي اشتهر بشاعر الاسلام وكذلك عرف بشاعر الشرق كما اعتبره المولعون بالفلسفة فيلسوف الاسلام المعاصر ، ولا غرابة فقد برز في مجال الشعر كما برز في مجال الفلسفة والسياسة والاقتصاد والقانون ، وللأسف لم يأخذ حقه من الشهرة في كل هذه المجالات في العالم العربي باستثناء مجال الشعر الذي عرف به خصوصا بعد ان غنت المطربة المصرية المشهورة أم كلثوم اغنيتها الرائعة ( حديث الروح ) المأخوذة من قصيدتيه ( شكوى وجواب شكوى ) التي ابدع في ترجمتها شعرا الشاعر المصري الصاوي شعلان ، وقد نظم القصيدة الاولى في عام 1909 ، كما نظم القصيدة الثانية في عام 1913 ، وقد قوبلت قصيدته الاولى بمعارضة شديدة من قبل بعض علماء الدين ، ولكن المعارضة خفت كثيرا بعد ان نظم القصيدة الثانية.

في جدة نظمت الجالية الباكستانية ندوة احياء لذكرى ميلاد هذا الرجل العظيم ، حضرها بعض زعماء الجالية الباكستانية في جدة ، وقد بدئت الندوة بتلاوة من القرآن الكريم ثم انشد احد المنشدين قصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، بعد ذلك توالى المتحدثون والشعراء ، حيث القيت الكلمات وتليت القصائد ، وقد  ركز  المتحدثون على تاريخ وانجازات هذا الشاعر العظيم ، وعلى نضاله السياسي والقانوني في سبيل تحقيق حلم مسلمي شبه القارة الهندية ، في الحصول على وطن يعيشون فيه احرار من هيمنة الانجليز والهندوس ، في الوقت الذي كان بعض القادة المسلمين يعملون على تحرير شبه القارة من الحكم الانجليزي والحصول على بلد موحد مستقل تضم المسلمين والهندوس ، وذلك قبل ان يدركوا صواب ما كان يدعو اليه اقبال ، وان المسلمين لن يحصلوا على حقوق متساوية مع الهندوس وانه من غير الحكمة استبدال حكم الانجليز بحكم الهندوس فكان قرار لاهور او قرار باكستان الذي اتخذه زعماء المسلمين في عام 1940 بعد وفاة العلامة إقبال بسنتين يتفق مع ما كان يدعو اليه إقبال .

وقد دعاني منظمو الندوة لأكون ضيف شرف في الحفل ، وعندما جاء دوري للكلام ، شكرت في البداية منظمي الندوة على دعوتي وكنت اتمنى ان يدعى احد الشعراء او الفلاسفة ليتكلم عن العملاق محمد إقبال ، أما وقد اصررتم على اختياري لهذه المهمة ، فماذا عساني اقول عن العلامة إقبال ؟ هل اتحدث عن إقبال الشاعر ، ام الفيلسوف ، ام السياسي ، ام الخبير الاقتصادي ، ام رجل القانون ؟ أنا لن استطيع إيفاء هذا الرجل حقه ، ولذلك فسوف اكتفي بنقل ما كتبه عنه احد اصدقائه وهو الاديب والعالم والسياسي والدبلوماسي المصري الدكتور عبد الوهاب عزام اول سكرتير عام للجامعة العربية واول سفير لمصر لدى باكستان ، واول مدير لأول جامعة في المملكة العربية السعودية وهي جامعة الملك سعود بالرياض ، ومؤلف كتاب ( محمد إقبال ، سيرته وفلسفته وشعره ) الذي كتب مقدمته الدكتور طه حسين عميد الادب العربي ، وامتدح المؤلف ووصفه بانه ( قد استكشف فيما استكشف نابغة من نوابغ الشرق هو الشاعر العظيم محمد إقبال شاعر الهند وباكستان ) وقد اجاد المؤلف في وصف عبقرية إقبال وشاعريته وفلسفته ، ومما قال عبد الوهاب عزام عن إقبال :

 يا شاعر الاسلام: أنرت مقاصده وجلوت فضائله وأضأت سراجه.

يا شاعر الشرق : أشدت بمآثره وفخرت بروحانيته .

يا شاعر الحياة: عرفت معناها وكشفت عن قواها وبصرت بمجراها ومنتهاها.

يا شاعر النفس : أثرت خفاياها واظهرت خباياها.

يا شاعر الحرية:  أشدت بذكرها واكبرت من قدرها ودعوت اليها.

يا شاعر الجهاد: قلت ان الحياة جهاد مستمر وكفاح لا يستقر.

يا شاعر الجمال: صورته في الارض والسماء والماء وفي الصحاري الجرداء وفي الصبح والمساء وفي كل خلق كريم.

يا شاعر الجلال: جلوته في الخالق والخليقة وفي الهمم العالية.

ويقول عبد الوهاب عزام : ذهبت الى دار إقبال التي عاش فيها آخر عمره ومات فيها وهي صغيرة المبنى كبيرة المعنى .

د . علي بن محمد الغامدي

Comments are disabled.