اختص الله يوم الجمعة وفضله على سائر الايام ، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم عليه السلام وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة ) وقد اختصه الله بصلاة تختلف عن غيرها من الصلوات الاخرى وهي صلاة الجمعة التي اجمع العلماء على انها فرض عين على كل مسلم مكلف وقادر ومستوف لشروطها ، وهي الصلاة الوحيدة التي ذكرت في القرآن بالأمر ان كل من سمع النداء اليها ان يترك البيع والشراء والتو جه الى المسجد لإداء الصلاة وذلك في قوله تعالي :  ( يا ايها الذين آمنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون )  ولا تجب صلاة الجمعة على النساء ولا على الصبيان الصغار ولا على المرضى ولا على المسافر ، وقد اختلف العلماء في العدد الذي تقام به صلاة الجمعة فقيل اربعين وقيل اثنى عشر واقل عدد تجب عليه ثلاثة ، وقال ابو يوسف من علماء الأحناف : ان الجمعة تعقد باثنين غير الامام .

يسبق صلاة الجمعة خطبتان ، حيث يقوم الامام قبل الصلاة فيخطب في الناس ، ويحمد الله ويثني عليه ، ويطالب المأمومين بتقوى الله جل جلاله ويقرأ بعض الآيات التي تحث على تقوى الله ، ثم يصلي على النبي واله وصحبه ، وبعد ذلك يفضل ان يتكلم عن مشكلة من المشاكل التي يعاني منها المجتمع ويقترح لها الحلول ، أما الخطبة الثانية فلا تختلف كثيرا عن الخطبة الاولى ، وفيها يذكر الامام بان الله يأمر  بالعدل والاحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، ويختلف الائمة في موضوع طول الخطبة او قصرها ، ولكن لم يعد الوقت مناسبا للخطب الطويلة ، حيث ان القنوات التلفزيونية اصبحت تستقطب العلماء والمثقفين لإلقاء احاديث يوم الجمعة تسبق وقت الصلاة ، وتكون تلك الاحاديث ابلغ واعمق من أي خطبة ومن يستمع لبعض تلك الاحاديث ، لا يحتاج لسماع بعض خطب الجمعة والتي تكون محشوة بالكلام المكرر .

اهتممت بالخطب منذ زمن بعيد ، وقادني هذا الاهتمام الى التنقل بين المساجد في كثير من البلاد التي عملت فيها، ففي كثير من البلاد التي تكون لغة التخاطب فيها غير اللغة العربية يقوم الامام بإلقاء خطبة او موعظة بلغة البلد ثم يقوم بقراءة خطبتين قصيرتين باللغة العربية ثم  تقوم الصلاة ، أما في اليابان فلم يكن هناك إلا مسجدا واحدا بناه الاتراك الذين هربوا من بلاد اواسط آسيا بعد احتلال السوفييت لها ، واستمر المسجد تحت ادارة الجالية التركية ، وكان الامام تركيا فكان يخطب باللغة التركية ثم يخطب باللغة اليابانية واخيرا يخطب باللغة العربية وكل الخطب متساوية في الوقت ، واكثر ما قمت به في التنقل بين المساجد في جدة والرياض بسبب كثرة المساجد ، ولكن مع ذلك فقليلا ما اجد المسجد الذي تعجبني خطبة جمعته ، فأما ان تكون الخطبة طويلة ومملة ، او تكون مناسبة ولكن يسيء اليها كثرة التكرار ، أما اقصر خطبة سمعت عنها فهي لخطيب في السودان ، فبعد ان اعتلى المنبر حمد الله واثنى عليه ثم قال : عباد الله اتقوا الله واعلموا ( ان اطعام جائع افضل عند الله من بناء الف جامع ) ثم قال بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني واياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .

اهتديت منذ عدة اشهر الى مسجد في حي الرحاب بجدة اعجبني الامام واعجبتني خطبه ، فهو يلقي خطبة اولى لا تزيد عن عشر دقائق يتناول فيها موضوع يتعلق بمشكلة لها علاقة بالمجتمع ، وفي الخطبة الثانية التي لا تزيد عن خمس دقائق يكمل ما كان قد بدأه في الخطبة الاولى ، وفي آخر جمعة صليت مع هذا الامام المتنور ، تناول في الخطبة الاولى موضوع الكفلاء الذين يقومون باستقدام عمال دون ان يكون لديهم عمل لهؤلاء العمال وانما يطلبون منهم البحث عن عمل لأنفسهم ، وفي مقابل ذلك يفرضون عليهم مبالغ شهرية يدفعها العمال ومن يرفض منهم الامتثال لكلام الكفيل يتم اعادته لبلده ، واكد ان هذا باطل لا يجوز شرعا ولا قانونا ولا اخلاقا ، وان على من يفعل ذلك ان يتوب الى الله ويتوقف عن فعل ذلك لأنه سيحاسب يوم لا ينفع مال ولا بنون ، وهذه اول مرة اجد اماما يتناول هذا الموضوع وبهذه الجدية ، وقد اخترت هذا الموضوع لتسليط الضوء على ممارسة غير اخلاقية يقوم بها البعض دون تأنيب من ضمير او خوف من الله .    

Comments are disabled.