عندما تكثر المشاكل بين الأفراد وتحصل الخلافات بين الخصوم ويصعب التفاهم بين الأطراف المختلفة ، فيشتكي العامل من سوء معاملة صاحب العمل ، ويتهم صاحب العمل العامل في عدم بذل الجهد المفروض ، ويتهم الموظف رئيسه بالتمييز ضده لصالح زملائه الآخرين ، ويبرر الرئيس انحيازه لموظف ضد آخر ، فلابد من البحث عن حلول غير تقليدية ، حيث الكل يبحث عن حقه ، وربما يشعر أن الطرف الآخر ظلمه ، عند ذلك يلجأ المتضرر للمحاكم المختلفة لطلب انصافه ممن ظلمه ، ولكن لكثرة القضايا وتعقيدات بعض الإجراءات ، وميل الكثيرين من القضاة الى التأني في إصدار الأحكام ، أما لشكوك لديهم في دعوى المدعي أو في دفاع المدعى عليه ، مما يجعل الكثير من الخصوم يفضل عدم اللجوء الى المحاكم ويختار التصالح مع الخصم عن طريق الصلح خارج المحكمة خشية من التطويل وكثرة الإجراءات .
للأسباب السابقة ، ولكثرة القضايا العمالية ، فقد اعتمد وزير العمل الدكتور أحمد الراجحي ما عرف ب ( الحل الودي ) للخلافات العمالية على أن تتولى الادارة العامة للتسوية التنسيق مع وزارة العدل لترتيب إحالة القضايا للمحاكم العمالية إلكترونيا في حال عدم التوصل الى تسوية ودية بين طرفي النزاع ، وقد قامت الوزارة بتنظيم عملية الحل الودي بحيث يتم اختيار من يتولى الإصلاح بين الخصوم من الأشخاص المؤهلين ومن المشهود لهم بالنزاهة والأمانة ، وأن لا يكون قد حكم عليهم في جريمة مخلة بالشرف والأمانة ، واشترطت استكمال إجراءات التسوية الودية خلال الفترة المقررة بوجود شرط التحكيم بين طرفي المنازعة او مضي المدة المقررة نظاما لرفع الدعوى ، واشترطت أن تكون التسوية سرية ولا يجوز لمن يتولاها إفشاء سر من اسرارها أؤتمن عليه أو عرفه ولو بعد الانتهاء من عمله ما لم يكن هناك مقتضى شرعي أو نظامي يوجب ذلك ، ومن الشروط عدم السماح بحضور الجلسات إلا بموافقة طرفي النزاع ، وأشارت القواعد الى أن اللغة العربية هي المعتمدة مع الاستعانة بمترجمين معتمدين من داخل الوزارة او خارجها اذا كان احد طرفي النزاع لا يجيد اللغة العربية ، ومنحت ادارة التسوية الودية حق الاستعانة بمن تراه من خبراء مختصين ومهنيين للإسهام في تسوية المنازعات العمالية المنظورة .
كما نصت القواعد والإجراءات المنظمة للتسوية الودية على إنشاء مكاتب للتسوية تسمى ( إدارة التسوية الودية ) في جميع مكاتب العمل يناط بها تسوية الخلافات قبل إحالتها للمحاكم العمالية وتختص بخمسة أنواع من المنازعات وهي :المنازعات المتعلقة بعقود العمل والأجور والحقوق وإصابات العمل والتعويض ، المنازعات المترتبة على الفصل من العمل ، المنازعات المتعلقة بإيقاع صاحب العمل جزاءات تأديبية على العامل ، المنازعات المتعلقة بالعمال الخاضعين لأحكام نظام العمل ، والمنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام نظام العمل ولائحته التنفيذية . وبينت القواعد أن الدعاوي ترفع الكترونيا عن طريق مكتب العمل المختص بعد تعذر الوصول الى تسوية ، كما اوجبت تقييد الدعوى نظاما وعقد جلستها الاولى خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام عمل من قيد الدعوى ، كما أوجبت حل الخلاف العمالي القائم في مدة لا تتجاوز 21 يوم عمل من تاريخ أول جلسة حضور امام المصلح .
أما ما قد يحتاج الى اعادة نظر في هذه القواعد فهو التعامل مع أصحاب النزاع ، حيث نصت على أنه في حال تغيب المدعي عن جلسة من الجلسات المحددة للتسوية الودية فان الدعوى تحفظ بموجب محضر ، أما صاحب العمل في حال تغيبه عن الحضور أمام الجلسات الودية في الموعد الأول فتوقف خدماته فورا حتى يحضر ، وفي حال استمر غيابه فيسمح للعامل بنقل خدماته لصاحب عمل آخر .
لاشك ان وجود قواعد ( الحل الودي ) كجهة مساندة للمحاكم العمالية شيء ايجابي ويخفف من العبء الملقى على المحاكم العمالية إذا تم تطبيقه بالطرق السليمة وروعي اختيار المصلحين الأكفاء وأصحاب السير الحسنة والذين ينشدون قول الحق ولا يحابي أحدا ، ما لفت نظري القول بأن المدعي إذا تغيب عن جلسة من الجلسات يتم حفظ القضية دون إعطاء فرصة اخرى بعد معرفة السبب في التغيب ، أما المدعى عليه ( صاحب العمل ) فمع ان القواعد توقف خدماته إذا تغيب ولكن فك الايقاف مشروط بمجرد حضوره ، ويجب ان لا يتساوى العامل المسكين الذي قد يفوته الموعد وهو على بعد خطوات من مجلس الصلح مع صاحب العمل بكل امكانياته من موظفين ومحامين وغير ذلك .